ولد الغزواني رئيساً لموريتانيا: آفاق التعايش ومخاطر الصدام

خميس, 19/01/2023 - 17:08

من المحتمل أن يواجه الرئيس الموريتاني المنتخب، محمد ولد الغزواني، جملة من التحديات الداخلية من أبرزها تنظيم الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية التي دعمته وضبط إيقاع هذه التوليفة غير المتجانسة، هذا فضلًا عن تحديد علاقته المستقبلية مع الرئيس الخارج من السلطة، محمد ولد عبد العزيز.

بإعلان المجلس الدستوري لنتائج الانتخابات الرئاسية النهائية(1) يكون وزير الدفاع الموريتاني السابق، محمد ولد الغزواني، قد ضمن العبور من القيادة العامة لأركان الجيوش إلى مؤسسة الرئاسة في أقل من سبعة أشهر مروراً بوزارة الدفاع، وسط جدل سياسى محتدم داخل أوساط المعارضين للرئيس حول علاقة الجيش بالسياسة في بلد متخم بالانقلابات العسكرية، وارتياح بين أنصاره، وهم يرون قائد الجيش السابق يحسم بصناديق الاقتراع ما ظل أقرانه من قادة الأركان يسعون إليه، لكن عبر صناديق الذخيرة.

 

ورغم أن الرئيس، محمد ولد الغزواني، الذي نال قبول تيار عريض من النخبة السياسية عشية دخوله السباق الرئاسي كمرشح إجماع، والتفَّت حوله نخب سياسية من كل الاتجاهات ودعمه الرئيس المنتهية ولايته وأركان حكمه بشكل معلن ومنظم، إلا أنه خرج من الحملة الرئاسية بشعبية مهزوزة، ليحصد أدنى نسبة فاز بها رئيس في موريتانيا(2) منذ بداية العملية الديمقراطية 1992، بعدما توقف عدَّاد أصواته عند نسبة 52 في المئة، بفعل ارتباك المحيطين به خلال انطلاقة الحملة المحضِّرة للانتخابات الرئاسية، وغياب خطاب مطمئن لكل رموز العملية السياسية من لجانه الإعلامية وبعض المحسوبين عليه، ورغبة الشباب الجامحة في فرض التغيير، والتصويت الكبير على أسس فئوية وعرقية في الانتخابات الأخيرة(3).

 

ورغم تحفظ القوى السياسية المعارضة على إعلان اللجنة المستقلة للانتخابات عن فوز الرجل في الجولة الأولى، إلا أنها بادرت لطلب الحوار(4)، في إقرار ضمني بانتهاء المسار الانتخابي، وبداية العمل السياسي، بعد حسم الصراع على منصب الرئيس عبر إعلان المجلس الدستورى غير القابل للطعن أمام المحاكم الموريتانية، وسط آمال موريتانية بمأمورية هادئة، بعد عشر سنين من الصراع بين الرئيس المنصرف، محمد ولد عبد العزيز، وأبرز القوى السياسية بموريتانيا.

 

وبفوز المرشح المنتخب، ولد الغزواني، بمنصب رئيس الجمهورية تُطرح عدة أسئلة داخل الساحة السياسية الموريتانية، أبرزها: ما شكل الأغلبية المحتمل أن تحكم البلاد؟ وما طبيعة الحكومة المنتظرة؟ وما مستقبل الحزب الحاكم سابقًا في ظل غياب رئيسه الفعلي، محمد ولد عبد العزيز، عن السلطة؟ وكيف ستكون العلاقة مع القوى السياسية المعارضة؟

 

ولعل السؤال الأكبر هو: كيف سيتعامل الرئيس المنتخب، محمد ولد الغزواني، مع سلفه وصديقه، محمد ولد عبد العزيز؟ وهل سيشركه في السلطة أم يكتفي بتأمينه وحماية مصالحه داخل البلد أم أن العلاقة بينهما قد تسوء في مستقبل الأيام بفعل اختلاف الأمزجة وتضارب المصالح والمحيط؟

نحو أغلبية جديدة

 

يجزم أغلب رموز السياسة والإعلام بالبلد أن دعم الرئيس الموريتاني المنصرف، محمد ولد عبد العزيز، وأركان حكمه للمرشح، محمد ولد الغزواني، كان له الدور الأبرز في مساره نحو القصر، لكن يدركون كذلك أن قوى سياسية عديدة من خارج الأغلبية دعمت الرجل، وساندته، وكان دعمها حاسمًا في وصوله للقصر، بعدما تمكن المرشحون المعارضون من خلخلة انسجام الأغلبية وأخذ بعض رموزها وناخبيها.

 

ومن أبرز الأطراف التي أسهمت في دعم الرجل من خارج الأغلبية التقليدية:

 

التحالف الشعبي التقدمي: وهو أحد أقدم الأحزاب المحسوبة على الأرقَّاء السابقين بموريتانيا، ويتولى قيادته الرئيس السابق للبرلمان، مسعود ولد بلخير(6). وقد تعرض الحزب لهزة عميقة خلال الفترة الأخيرة، بفعل استقالة أبرز رموزه في ولاية تيرس الزمور بشمال البلاد، وفي مقاطعة الميناء بنواكشوط، لكنه لا يزال يشكِّل رافعة سياسية كبيرة، وقد قرر بالإجماع الخروج من المعارضة ودعم المرشح، محمد ولد الغزواني، مقابل تفاهمات لم يعلن عنها من قبل، لكن أبرزها -وفق ما هو مُشاهَد- هو تثبيت رئيس الحزب رئيسًا للمجلس الاقتصادي والاجتماعي فور إعلان فوز المرشح، ليحظى الحزب بهيئة دستورية لها مكانة في المنظومة الدستورية بموريتانيا.

 

التحالف الديمقراطي التقدمي: وهو الحزب المعارض الذي حل في المرتبة الثانية خلال انتخابات البرلمان الأخيرة، ويقوده النائب، يعقوب ولد أمين. وقد كان من الأحزاب الممثَّلة في اللجنة المستقلة للانتخابات والمجلس الدستوري، وممثَّل في مؤسسة المعارضة الديمقراطية، ولديه شعبية بالعاصمة، نواكشوط، وولاية تكانت وولاية لعصابه، وتمكن من الحضور الفاعل في بعض المجالس البلدية في الحوض الغربي.

 

كتلة راشدون: وهي كتلة يقودها القيادي الإخواني السابق، عمر الفتح(5)، وتضم مجموعة من رموز التيار الإسلامي، وقادة المؤسسات الجمعوية التي تعرضت للاستهداف أو المضايقة أو هما معا إبان مرحلة الرئيس، محمد ولد عبد العزيز. وتسعى الكتلة السياسية إلى التهدئة مع السلطة حفاظًا على مكاسبها التقليدية، أو طمعًا في الحضور في المشهد السياسي من بوابة الرئيس الجديد، بحكم علاقات قبلية أو جهوية أو تعارف سابق بين بعض رموزها والمرشح الذي بات اليوم الرئيس الفعلي لموريتانيا.

 

وقد ضمنت المجموعة الحضور في تشكيلة الحملة، حينما أُسندت مهمة الحملة في ولاية تكانت أحمد سالم ولد فاضل، وهو أحد أبرز رموزها، وأحد كوادر التيار الإسلامي إلى غاية انشقاقه مع المجموعة في مايو/أيار 2019، مع مرافقة زعيم التيار الجديد للمرشح في حِلِّه وترحاله خلال الحملة الرئاسية.

 

كتلة مواصلة المسار: وهي كتلة يقودها رئيس فريق حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية سابقًا في البرلمان، الوزير المختار ولد محمد موسى، وقد ساندت الرجل بشكل مبكر، وكانت من أوائل الكتل السياسية التي غادرت الحزب الإسلامي المعارض، ولها حضور قوى في ولاية نواكشوط وولاية إينشيرى.

 

التجمع من أجل الوطن: وهي كتلة يقودها نائب رئيس حزب التكتل المعارض، محمد محمود ولد الأمات(7)، وتضم الكتلة أبرز رموز المعارضة التقليدية، ممن قرروا ترك الساحة السياسية المعارِضة والتوجه نحو الأغلبية، بعد ربع قرن من الصراع من أجل الوصول إلى السلطة والاستهداف الممنهج من قبل الرؤساء الذين تولوا قيادة البلاد في الفترة ما بين 1992 إلى 2019. وللكتلة حضور قوي بالعاصمة، نواكشوط، ونواذيبو والترارزه والبراكنه.

 

ومن بين التشكيلات الجديدة المنبثقة من الأغلبية :

 

تحالف الأمل: وهي كتلة شبابية تنشط في مناطق الحوضين بشكل خاصة؛ حيث الثقل الانتخابي الأكبر بموريتانيا، ويقودها الأمين العام السابق لوزارة الشؤون الإسلامية، محمد ولد سيد أحمد فال بياتي(8)، ولديها تمثيل في عدة مجالس محلية وبعض المجالس الجهوية، ومن أبرز رموزها شيخ مقاطعة تمبدغه السابق وعمدة بلدية تمبدغه المساعد، أحمد ولد الفتح، وعمدة بلدية أم الحياظ المساعد، البكاي ولد خطره، ونائب رئيس المجلس الجهوي، متو بنت محمدو ولد باب، وبعض رجال الأعمال البارزين في المنطقة كرجل الأعمال، داهنا ولد المامي.

 

ولعل أبرز التحديات التي تواجه الرئيس المنتخب، محمد ولد الغزواني، الآن هو توحيد الكتل الداعمة له، ودمجها مع الأحزاب التقليدية الفاعلة في الأغلبية وأبرزها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.

 

وسيكون أمام الرئيس، ولد الغزواني، بداية حكمه صعوبة في الخروج بتوليفة سياسية متجانسة بحكم الحزازات القديمة بين داعميه، والصراع على المناصب بين مراكز القوى المحيطة به. وهو بين خيارات مكلفة بالكامل، ولعل أبرزها:

 

- تأسيس حزب سيأسى جديد للملمة شتات المحيطين به، وفى الأمر رسالة غير ودية للرئيس الذي سانده والحزب الذي تبناه، وتكرار لسيناريو مشابه قام به مجمل الرؤساء السابقين، لكنه مكلف من الناحية السياسية، حيث سيدخله القرار في صراع مبكر مع سلفه، ويفتح الباب لصراع داخلي بين داعميه من أجل أخذ مواقع متقدمة في الحزب الجديد.

 

- الدفع باتجاه فتح باب الانتساب من أجل دمج القوى الجديدة الداعمة له في الحزب، ومنحها الفرصة الكاملة من أجل أخذ مواقعها قبل الانتخابات التشريعية والبلدية، وإشراكها في القرار.

من سيُكلَّف بتشكيل الحكومة؟

 

مع تنصيب الرئيس المنتخب، محمد ولد الغزواني، تتجه أنظار النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية داخل البلد لمعرفة من سيختاره الرئيس المنتخب لمنصب الوزير الأول، بحكم مركزية المنصب في الحياة التنفيذية بموريتانيا، والرسالة المعنوية للشخص الذي سيتم انتدابه لبداية مأمورية جديدة.

 

وتطرح عدة أسئلة حول هوية الشخص المحتمل، والجهة التي ينتمي إليها، في بلد يحاول بعض أبنائه التعالي على منطق الجهة والقبيلة والفئوية في مجالسهم العامة، لكنهم يرتهنون للمعايير ذاتها كلما جدَّ وقت الحسم، أو كانت المناصب التنفيذية أو الانتخابية مطروحة للتداول من طرف الجهات السياسية، بغض النظر عن الموقع والموقف.

 

ويعتقد بعض أبرز المتابعين للشأن السياسى بموريتانيا أن الوزير الأول القادم لن يخرج من التشكيلة التي خدمت خلال العشرية الأخيرة مع الرئيس، محمد ولد عبد العزيز، بحكم الحاجة إلى الخبرة والقدرة على التعامل مع التحديات المطروحة، ناهيك عن عامل الثقة بين الرئيس المغادر، محمد ولد عبد العزيز، والرئيس المنتخب، محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو ما يقتضي عدم القطيعة النهائية مع رموز مرحلته، والأشخاص الذين خدموا معه، بشكل مفاجئ، بل إن البعض يرى أن الإبقاء على بعض رموز الحكومة وقادة الأركان وبعض الإداريين أمر لازم لعبور محطة بالغة الدقة والحساسية من تاريخ البلد، كما أنها رسالة وفاء لنهج قدم الرجل نفسه كأحد صنَّاعه والمحافظين عليه.

 

وتُطرح عدة أسماء لتولى المنصب الأهم بموريتانيا بعد منصب رئيس الجمهورية وقيادة البرلمان، بعضها ينتمي جغرافيًّا للحيز الذي دأبت الأنظمة السياسية المتعاقبة على التعيين منه، لضمان الاستقرار السياسي، واحترامًا لمعطيات الديمغرافيا، ناهيك عن مستوى الحماس الذي أظهره سكان المنطقة خلال الفترة الأخيرة، دعمًا للرئيس المغادر، محمد ولد عبد العزيز، في مأموريته الأولى والثانية، وتصويتًا لخليفته في الحكم، محمد ولد الشيخ الغزواني، بنسبة بلغت 81 في المئة.

 

وتُطرح عدة خيارات من الحوض الشرقي، أبرزها: وزير العدل السابق، عابدين ولد الخير(9)، ووزير الوظيفة العمومية الحالي، سيدنا عالي ولد محمد خونه(10)، ومحافظ البنك المركزي المساعد، الشيخ الكبير ولد مولاي الطاهر(11)، ولكل منهم نقاط قوة وضعف، لكنهم أبرز المرشحين لقيادة التوليفة الوزارية من الحوض الشرقي في حالة جنوح الرئيس، محمد ولد الغزواني، إلى الاختيار منه، بعدما سُحبت منهم قيادة البرلمان إبان الرئيس، محمد ولد أبيليل، والوزارة الأولى بعد الإطاحة بالوزير، يحيى ولد حدمين، وتم اختيار الرئيس من الوسط في الانتخابات الأخيرة.

 

بينما يرى آخرون أن عامل الثقة والمكانة والشعبية والتخصص يميل لصالح بعض الأطراف الأخرى، وخصوصًا في ولاية البركنة؛ حيث يُطرح اسم الوزير، المختار أجاي، بقوة، بحكم كونه أبرز شخصية بالمنطقة، وأكثرها حضورًا داخل الساحة المحلية، ويحظى بعلاقات وازنة مع الرئيس المنتخب، محمد ولد الغزواني، وعلاقات أكبر مع سلفه المغادر، محمد ولد عبد العزيز، كما أنه بحكم التخصص والتجربة، أكثر الوزراء الحاليين إلمامًا بملفات البلد الاقتصادية، بحكم الوظائف التي تولى تسييرها خلال المراحل الماضية، وأكثرهم حضورًا في المشهد السياسي بعد الوزير المغادر للتشكيلة قبل أيام، سيدي محمد ولد محم، بحكم دوره في منطقة البركنة ونواكشوط، وتوليه ملفات سياسية معقدة خلال السنوات الأخيرة.

 

ومع دخول السلطة في تفاوض معلن مع المرشح، بيرام ولد الداه ولد أعبيدي، المنحدر من منطقة الركيز، تراجعت حظوظ أبناء منطقة الترارزه في قيادة التوليفة الوزارية المحتملة، بحكم انتماء الرجل -الذي أصبح يشكل القوة الثانية في السباق الرئاسي- للمنطقة، واستحالة تكليفه بمنصب الوزير الأول، مع إمكانية إشراكه هو وبعض الرموز الداعمة له في أية حكومة محتملة.

 

لكن إذا فشل الحوار أو انهار لسبب أو لآخر، فمن المحتمل أن يكلف وزير الخارجية الموريتاني في الوقت الراهن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، المنحدر من ولاية الترارزه، بقيادة الحكومة، بحكم العلاقة القوية مع المرشح محمد ولد الغزواني، والسمعة الطيبة له في الأوساط الدولية والعربية على وجه الخصوص. كما أنه لم يتول تسيير ملفات داخلية تجلب له انتقام السكان، ولم يمكث في التشكيلة الوزارية الحالية أكثر من سنة.

 

غير أن بعض المحللين والمهتمين بالشأن السياسي يعتقدون أن انتقال السلطة من الشمال إلى الشرق أو الوسط (الرئاسة(، يجعل اختيار الوزير الأول من المناطق الشمالية أكثر من احتمال مطروح، بل يرى البعض أن الرئيس، محمد ولد الغزواني، بحاجة إلى إرسال رسالة طمأنة للقوى السياسية والمالية في المنطقة، بأن انتقال السلطة من الشمال إلى الشرق لن ينعكس على حظوظ النخب السياسية والمالية بالمنطقة، وأن الشراكة الفاعلة ستكون عنوان المرحلة المقبلة. ناهيك عن حاجة التجربة الحالية لتجاوز كل المطبات المحتملة، وطمأنة القوى المتحفزة لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور، والتعامل بعقلانية مع المشهد، من أجل إنجاح أول تجربة رئاسية يتولى فيها أحد سكان المنطقة الشرقية مقاليد الأمور في البلد، عبر الانتخابات، وثاني تجربة من نوعها، بعد التجربة القصيرة للعقيد الراحل، المصطفى ولد محمد السالك.

 

وفى حالة الاختيار من الشمال سيكون الرئيس، محمد ولد الغزواني، أمام خيارات ثلاثة يمكن الركون إليها، مع تفاوت في الحظوظ والإمكانيات السياسية والتخصص، وهم من الجيل الذي عايش التجربة الماضية وكان فاعلًا فيها.

 

ففي حالة الاختيار من ولاية آدرار، سيكون الرئيس السابق للحزب الحاكم، سيدي محمد ولد محم، أبرز الشخصيات المطروحة بحكم الحضور الفاعل في الساحة الموريتانية، والعلاقات الواسعة، والتجربة داخل الحزب والتشكيلة الحكومية، والعلاقات الإقليمية الوازنة، مع هدوء تحتاج إليه المرحلة، وقدرة على استيعاب الأغلبية والوافدين إليها.

 

وفى حالة الاختيار من تيرس الزمور سيكون وزير الاقتصاد والمالية السابق، سيد أحمد ولد الرايس، أبرز المرشحين للمنصب، فالرجل حاضر بقوة في الذاكرة الجمعية للممسكين بزمام الأمور خلال العشرية الأخيرة، وصاحب تخصص تحتاج إليه الحكومة في ظل التحديات الاقتصادية، وخبر مجمل الدوائر الحكومية، وله علاقات وازنة بمجمل المؤسسات المالية العربية والغربية، ويحظى بعلاقات قوية بالرئيس المغادر، محمد ولد عبد العزيز، وكان أحد خيارات الرئيس المنتخب، محمد ولد الغزواني، خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، وكان له الفضل في هندسة اتفاق العاصمة السنغالية، داكار، بين الفرقاء السياسيين الموريتانيين، سنة 2009.

 

أما إذا قرر الرئيس المنتخب الاختيار من ولاية إينشيرى، ومن الدوائر المحيطة بصديقه المغادِر للسلطة، فإن رجل الأعمال البارز ورئيس غرفة التجارة والصناعة، أحمد بابه ولد اعلي، قد يكون الخيار الأمثل لإدارة المرحلة القادمة.

 

العلاقة بالطيف المعارض

 

رغم توليه مقاليد الأمور في المؤسسة العسكرية والأمنية خلال السنوات العشر الماضية، لم يُعرف عن الرئيس المنتخب، محمد ولد الغزواني، توجه نحو الصدام المباشر مع المعارضين للحكم الذي كان أحد أبرز رموزه وأدواته التنفيذية، بل إن البعض كان ينظر إليه باعتباره رجل الإطفاء داخل التوليفة العسكرية الحاكمة منذ انقلاب 2005، بحكم تربيته الصوفية، وتوليه أدوارًا استخباراتية مكَّنته من معرفة المجتمع وفهم أنجع الطرق الملائمة للتعامل معه، وحرصه على استمرار النظام في بلد انتهت فيه أنظمة عسكرية ومدنية بفعل جنوحها للقمع ومحاولتها فرض نفسها بقوة الحديد والنار.

 

ورغم أن التركة ثقيلة والخلاف بين المعارضة الإسلامية المتصدرة للمشهد ونظام الرئيس، محمد ولد عبد العزيز، بلغ أوجه خلال الأشهر الأخيرة، ومع ظهور قوى زنجية مصنفة تاريخيًّا ضمن دائرة المعارضة العنيفة، بفعل تركة المواجهة بينها وبين الأنظمة منذ الرئيس، المختار ولد داداه، إلا أن البعض لا يزال لديه أمل بأن يكون انتقال السلطة من محمد ولد عبد العزيز إلى رفيقه، محمد ولد الغزواني، فرصة للدخول في حوار مباشر مع المعارضة، وإنهاء القطيعة بين الأطراف السياسية داخل البلد.

 

وتشير بعض المعلومات المتداولة بين صُنَّاع القرار والمحيطين بالرجل، إلى أن ولد الغزواني أبلغ مقربين منه عن قلقه من أن تتحول معارضته إلى معارضة فئوية وعرقية، في ظل تلاشي المعارضة التقليدية، وانحسار المد المعارض بين التيار الإسلامي/الإخوان المسلمين وحركة إيرا التي تمثل غالبية الأرقاء السابقين، و"تحالف التعايش المشترك" الذي يمثل كل الحركات الزنجية بموريتانيا.

 

وقد بدأت اتصالات أولية بين السلطة وأذرعها السياسية والأمنية مع المرشح الذي حلَّ ثانيًا في الانتخابات الأخيرة، بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، ومن المتوقع أن تتوسع لتشمل بعض رموز المعارضة أو المرشحين الثلاثة الآخرين على أقل تقدير.

 

غير أن التيار الإسلامي، القوة الداعمة للمرشح الثالث في الانتخابات، سيدي محمد ولد بوبكر، سارع إلى التملص من الحوار مع النظام القائم، ومثله سارع المرشح الذي حل رابعًا، كان حاميدو بابا، ربما في انتظار تشكيل الرئيس الجديد لحكومته المرتقبة، أو تسلمه لمهامه على أقل تقدير.

 

ومع ذلك، من الواضح أن كل القوى السياسية عبَّرت بشكل صريح عن استعدادها للتعامل مع الرجل والتحاور معه، وإن كانت المخاوف حاضرة من تكرار تجارب مريرة لها مع سلفه؛ حيث ينتهي الحوار بالصدام والتشاور بالقرارات الأحادية والتقارب بالاستهداف المباشر.

إمكانية التعايش وشكل الحضور

 

يشكل مستقبل العلاقة بين الرئيس المنتخب، محمد ولد الغزواني، والرئيس المنصرف، محمد ولد عبد العزيز، أبرز الأسئلة المطروحة بإلحاح في الساحة المحلية، بفعل المخاوف من الصدام المبكر بين الرئيس المسؤول عن تسيير البلد بحكم الانتخاب ونصوص الدستور، والرئيس الممسك فعليًّا بأغلب دوائر صنع القرار، بحكم حضوره الطاغي في المشهد خلال أربع عشرة سنة، تمكن فيها من ترشيح رئيسين لقيادة البلد، هما: سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله 2007-2008، ومحمد ولد الغزواني، 2019، والإطاحة برئيسين هما: معاوية ولد الطايع، 2005، وسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، 2008، وتسيير رئيسين من وراء الستار، وهما: اعل ولد محمد فال، 2005-2007، وبا أمباري من أبريل/نيسان 2009 أغسطس /آب 2009.

 

وتثير تصريحات الرئيس المتكررة عن استمراره في التأثير في المشهد السياسي بموريتانيا، بل ومتابعته للمشاريع التنموية مخاوف كثيرة، بل إن البعض حاول استخدامها في الحملة الرئاسية للنيل من محمد ولد الغزواني، باعتباره واجهة شكلية للرئيس الفعلي، محمد ولد عبد العزيز، وعهدة ثالثة حسب بعض المعارضين المناوئين له.

 

ورغم أن الرئيس، محمد ولد عبد العزيز، حاول خلال مؤتمره الصحفي الأخير طمأنة القوى السياسية بالبلد على مستقبل العلاقة بين الرجلين، قائلًا إنه لن يتدخل في تسيير الرئيس المنتخب للدولة، ولن يكون الرئيس من خلف الستار، كما لم يكن صديقه رئيسًا من خلف الستار إبان توليه مقاليد الحكم، إلا أن حجم التعيينات التي قام بها في دوائر صنع القرار كالجيش والإعلام والدبلوماسية والموانئ والمؤسسات المالية الكبيرة، تجعل مستقبل تحكم خليفته في المشهد مربوطًا بنقض بعض قراراته فور تسلمه السلطة، لأن أي تساهل أو انتظار سيُفسَّر داخل الأوساط السياسية والشعبية بأنه ناجم عن الضعف، وربما يمنح الرئيس المغادر سلطة أكبر في الأشهر القادمة، ويضمن له ولاء الكثير داخل دوائر الدولة، تمامًا كما فعل مع الرئيس، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، قبل أن يطيح به في انقلاب عسكري، بعدما رفض إقالة الحكومة التي كانت محل تحفظ من كبار الضباط داخل المؤسسة العسكرية.