
توقّع المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية أن يتأثر الحوار السياسي المرتقب بعدة عوامل، بينها "الانقسام داخل الطبقة السياسية، سواء داخل مكون المعارضة، أو في صفوف الموالاة، واقتراب الاستحقاقات الانتخابية سواء النيابية والجهوية والبلدية 2028، أو الرئاسية 2029، ذات الخصوصية الكبيرة في السياق الموريتاني".
وأورد المركز في تقرير له ثلاثة سناريوهات للحوار المرتقب، مشيرا إلى أن السيناريو الأول هو "تنظيم حوار شامل وناجح بمشاركة كل القوى السياسية والمجتمعية في البلاد، وبأجندات تشمل كل الإشكاليات الوطنية؛ اجتماعية، وسياسية، واقتصادية، بما يضمن إعادة بناء توافقية لمنظومة الحكم في البلاد، ويعزز الوحدة الوطنية، ويصلح المنظومة الانتخابية، ويدعم الحكم الرشيد، ومحاربة الفساد، ويطور الاقتصاد، ويعالج الإرث الإنساني".
ولفت التقرير إلى أن هذا السيناريو يدعمه الموقف المعلن لغالبية القوى السياسية في البلاد موالاة ومعارضة وهو الموافقة على مبدئه، باستثناء "ائتلاف المعارضة المنافحة للنظام"، الذي يقوده بيرام الداه اعبيد".
لكنه نبه إلى أن هذا السيناريو يقف في وجهه "اهتزاز الثقة بين عدد من الفرقاء السياسيين في الموالاة والمعارضة، وداخل كل واحدة من الكتل، وعدم رغبة بعض الأطراف في نقاش بعض ملفات الحوار، دون امتلاك شجاعة إعلان هذا الموقف، وظلال تجارب الحوار السابقة، وتكرار السلطة لسناريو تجيير نتائجها لصالحها، والتملص من الخلاصات والنتائج التي لا تخدمها".
أما السيناريو الثاني – وقف التقرير – فهو تنظيم حوار جزئي وبتأثير محدود، معتبرا أن هذا السيناريو هو الأقرب أو الأرجح في ظل المعطيات والظروف الحالية "وذلك في ظل استمرار أجواء الشكوك بين النظام والمعارضة بخصوص مواضيع الحوار، وجهة الإشراف عليه، وآليات متابعة تنفيذه".
ورأى التقرير أنه ووفق هذا السيناريو يتوقع أن تشارك كل الأحزاب المنضوية في الأغلبية، وبعض المعارضة، في تكرار لتجربة حوارات 2012، و2016، وغيرهما.
واعتبر التقرير أنه في حالة جرى الحوار وفق هذا السيناريو "فستكون النتيجة تحقيق تحسينات جزئية، وتجاوز أو تجاهل إشكالات بنيوية، وقضايا وطنية كبرى، مع تحول الحوار من أداة لجسر الهوة من الأطراف السياسية، وإيجاد مساحة إجماع، أو قائمة مشتركات أكثر، إلى أداة لتجذير وتوسيع الانقسام السياسي، وزيادة الهوة بين مكونات المشهد السياسي الوطني".
أما السيناريو الثالث والأخير الذي أورده التقرير فهو تعثر أو فشل الحوار، مشيرا إلى أن هذا السيناريو يظل واردا، ضمن سيناريوهات الحوار المتوقعة، "في ظل إعلان ائتلاف سياسي معارض بقيادة المرشح الرئاسي بيرام الداه اعبيد مقاطعته له، وتقديم بقية المعارضة لشروط أو مطالب تمهيدية قابلة لأن تشكل مفجرا لمرحلة تحضير الحوار، كاشتراط إطلاق سجناء الرأي، وما يمكن أن يحدث من خلاف حول طبيعتهم، وكذا اشتراط ترخيص الأحزاب السياسية التي استكملت الشروط، وإن كان أخف من سابقه".
ورأى التقرير أن هذا السيناريو يدعمه "ضعف أو انعدام الثقة المتبادل، وكثرة توظيف الأنظمة المتعاقبة للحوار في هندسة المشهد السياسي، وتكرار استخدامها له كأداة لكسب الوقت، أو تحسين صورتها خارجيا، أو لزيادة شقة الخلاف بين مكونات المعارضة، بدل استخدامه كأداة لزيادة مساحة الإجماع الوطني، وتوسيع المشتركات، وتحصين البلد من الهزات الداخلية والخارجية".
وأضاف: "يساهم في دعم هذا الخيار غياب أي ضغوط شعبية أو إعلامية أو إقليمية للدفع باتجاه الحوار، بل يكاد يكون العكس هو الحاصل، وهو وجود مزاج شعبي عام لديه مواقف سلبية من الحوار بسبب تجاربه السابقة غير الناجحة".
ورأى المركز في تقريره أنه في حال تعثر الحوار أو فشله "فسيكون من الوارد تصاعد التوتر بين مكونات المشهد السياسي، وقد ترتفع وتيرته مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، كما قد ينجح النظام جزئيا – ولو إلى حين – في إبقاء حالة الهدوء السياسي القائمة منذ استلامه للسلطة 2019، مع بقاء التباينات حول الملفات الوطنية الكبرى عالقة