الذين يخططون للفتنة يراهنون علي أفعالنا لاعلي قوتهم

جمعة, 26/12/2025 - 08:37

لم تعد الظواهر الرقمية في موريتانيا مجرد انزلاقات عابرة، بل تحولت إلى أدوات ضغط ناعمة تُستعمل لاختبار تماسك الداخل.

وفي هذا السياق، يتشكل اليوم مناخ مُفتعل للتوتر، يُراد له أن يدفع المجتمع نحو صدام داخلي لا يخدم سوى من يراهن على تفكيك النسيج الوطني من الداخل.

وانطلاقا من هذا المناخ، تتجه بوصلة التحريض في هذه المرحلة نحو الفضاء الناطق بالحسانية، عبر سرديات تتبدل أدواتها بينما تبقى غايتها واحدة، وهي شق هذا الفضاء من داخله وإرباك تماسكه الاجتماعي.

وتتجلى هذه السرديات، بحسب الظرف، في صور متعددة.

فتظهر أحيانا في شكل فيديوهات عبثية تتحدث عن انقلاب عسكري يقوده “جندي أول” بلغة رمزية فجّة.

وتعود أحيانا أخرى عبر حسابات وهمية تنتقل من التحريض اللفظي إلى الدعوة الصريحة للعنف والقتل.

ولا ينبغي قراءة هذه الوقائع حرفيا، لأن القراءة الحرفية تُخطئ الهدف.

الأدق هو قراءتها وظيفيا، حيث لا يكون المقصود الفعل ذاته، بل إدارة التوتر، واستفزاز ردود الفعل، ودفع الناس إلى مواقع نفسية متقابلة.

وهنا بالضبط يكمن الخطر.

فالفتنة لا تُشعلها رسالة واحدة، بل تُغذّيها إعادة النشر، ويُسرّعها التعليق الغاضب، ويُثبّتها الاصطفاف الأعمى.

وفي هذه الدوامة، يتحول كثيرون، بحسن نية، إلى وقود لمخطط لم يُصمَّم لخدمة أحد منهم.

ومن ثم، ورغم أهمية الوعي المجتمعي، فإنه لا يكفي وحده.

فهذه الحملات تُدار بأدوات رقمية، وتحتاج إلى تعاطٍ مؤسسي هادئ، تقني وإعلامي، يقطع الطريق على من يعتقدون أن الاختباء خلف الشاشات يمنحهم حصانة.

---

مقترحات عملية موجّهة للأجهزة الأمنية للتعامل مع الحسابات الوهمية المحرضة على الفتنة

وانطلاقا من طبيعة هذا التهديد، تقع على عاتق الأجهزة الأمنية المختصة مسؤولية التعامل معه كملف ذي أبعاد أمنية رقمية، لا كمجرد تجاوزات خطابية.

وفي هذا الإطار، يفرض الواقع اعتماد مسار قانوني وتقني واضح، يسمح بالتحجيم والردع دون انفعال أو دعاية.

يبدأ الإجراء بالتكييف القانوني الدقيق.

إذ يُوصَّف الفعل باعتباره تحريضا على العنف وتهديدا للأمن العام، لا سبا ولا خلافا سياسيا. ويُعد هذا التوصيف المدخل الضروري لتفعيل بقية الإجراءات.

وعلى هذا الأساس، يُفعَّل التواصل الرسمي مع المنصات الرقمية.

تُوجَّه الطلبات القضائية عبر

Demande officielle des autorités judiciaires

إلى شركة Meta Platforms، وهي القناة المعتمدة التي تُمكّن الدولة من الوصول إلى المعطيات التقنية المحمية.

وبموجب هذا المسار، تُسترجع المعطيات التقنية الأساسية.

تشمل هذه المعطيات عناوين IP الحالية والسابقة، ونوع الجهاز، وأوقات الولوج، ومعطيات إضافية تسمح بتضييق نطاق التتبع وربطه بسياق استعمال فعلي.

ومن ثم يُربط قضائيا مع مزودي خدمة الإنترنت،

ويُفضي هذا الربط، عبر المسار القضائي، إلى تحديد المستخدم الفعلي ومكان تواجده بدقة عملية، سواء كان داخل البلد أو خارجه، بغض النظر عن الاسم المستعار أو الصورة الرمزية.

وعند ثبوت البعد الخارجي، يُفعَّل التعاون القضائي الدولي،

إذ لا يتمتع التحريض على العنف بأي حماية قانونية خارج الحدود، ويُعد هذا النوع من الأفعال خاضعا للتجريم العابر للفضاء السيادي.

وأخيرا، يُعتمد الردع الإعلامي الوقائي.

يُعلن عن تفكيك حسابات وهمية محرضة دون ذكر الأسماء أو التفاصيل، بما يحقق أثرا ردعيا عاما، ويقطع الطريق على من يفكر في تكرار السلوك نفسه، دون تحويل الملف إلى مادة دعاية.

وفي الختام أقول:

لا يصنع الاسم المستعار حصانة.

ولا يختفي الفاعل خلف الشاشة كما يتوهم البعض، فالفضاء الرقمي يترك آثارا كافية لتحديد المصدر وربط الفعل بصاحبه متى سلكت الطريق الصحيح.

ومن هذا المنطلق، يبقى تحصين موريتانيا اليوم مسؤولية جماعية، تبدأ بالابتعاد عن التشنج، وتمر بالوعي بخطورة الانجرار، وتنتهي بإفشال كل محاولة لتحويل الخلاف إلى فتنة، والنقاش إلى صدام

محمد ولد انبارك