نشرت مجلة “جون أفريك” الفرنسية تقريرا بعنوان “مالي: الطغمة العسكرية في وضع حرج بعد خنقها من قبل الجهاديين” أكدت فيه أن السلطة العسكرية الحاكمة في مالي تواجه أزمة وجودية غير مسبوقة، حيث تتعرض العاصمة باماكو والعديد من المناطق الأخرى لخنق تدريجي بسبب حصار تفرضه جماعات جهادية مسلحة.
وذكرت المجلة بأن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهي أكبر فصيل مرتبط مباشرة بتنظيم القاعدة في المنطقة، تفرض حصارا على استيراد الوقود، مما أدى إلى شل اقتصاد البلاد.
وأضافت أن هذه الإستراتيجية الخانقة دفعت المجلس العسكري الحاكم إلى إغلاق المدارس، ومنعت الحصاد الزراعي في العديد من المناطق، وعرقلت بشدة الوصول إلى الكهرباء.
جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهي أكبر فصيل مرتبط مباشرة بتنظيم القاعدة في المنطقة، تفرض حصارا على استيراد الوقود، مما أدى إلى شل اقتصاد البلاد
وأشارت إلى أن فرنسا أكدت أول أمس الخميس، أنها تتابع “بقلق حقيقي” تدهور الوضع الأمني في مالي.
ولفتت المجلة إلى أنه خلال زيارة له لمنطقة تبعد 150 كيلومترا، جنوب باماكو، دعا رئيس المجلس العسكري المالي الرئيس أسيمي غويتا مواطنيه إلى بذل جهود لتجاوز الأزمة، ووعد بـ”بذل كل ما في وسعه لتوفير الوقود”.
لكن أليون تين، الخبير المستقل السابق للأمم المتحدة في مالي، يرى أن هذه التصريحات “اعتراف فظيع بالفشل”، كما نقلت المجلة عنه.
من جهته قال باكاري سامبي من معهد تمبوكتو للدراسات، ومقره العاصمة السنغالية دكار، إن “الدولة المالية لم تعد تسيطر على أي شيء” على أراضيها و”تركز قواتها حول باماكو لتأمين النظام”.
وأكد “لقد بدأ تأييد السكان يتآكل في مواجهة عجز النظام العسكري عن الوفاء بوعده بتوفير الأمن”.
وفي مواجهة الوضع المتدهور، أعلنت المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأسبوع الماضي سحب موظفيهما غير الأساسيين من مالي، وطلبت عدة سفارات من رعاياها مغادرة البلاد.
هل يمكن أن تسقط باماكو؟
وأمام هذه التطورات طرحت تساؤلات حول إمكانية سقوط العاصمة المالية باماكو قريبا في يد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي وسّعت خلال الشهور الأخيرة نفوذها إلى جزء كبير من الأراضي غير محدد بدقة، وهي تمول نفسها من خلال جمع الضرائب وفديات الاختطاف.
ونقل التقرير عن تشارلي ويرب، من شركة الاستشارات ألبيداران ثريت، قوله إنه “لا يعتقد أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين لديها القدرة أو النية للاستيلاء على باماكو، لكن التهديد الذي تشكله على المدينة لم يسبق له مثيل”.
من جهته أوضح باكاري سامبي للمجلة أن “الهدف الإستراتيجي” من فرض هذا الحصار هو “الإطاحة بالنظام”. وأكد مصدر أمني أوروبي أن الجماعة “تريد إسقاط المجلس العسكري وتشكيل حكومة يمكنها التفاوض معها وإجبارها على تنفيذ أجندتها”.
“الهدف الإستراتيجي” من فرض هذا الحصار هو “الإطاحة بالنظام”. الجماعة “تريد إسقاط المجلس العسكري وتشكيل حكومة يمكنها التفاوض معها وإجبارها على تنفيذ أجندتها”.
وذكر التقرير أن أحد الخيارات المتاحة للحكومة هو التفاوض مع قيادة الجماعة، وقال أحد النواب المحليين، طلب عدم الكشف عن هويته، للمجلة “تسعى الحكومة حاليا إلى الحصول على هدنة من الحصار من الجهاديين”.
وأشار إلى أن تعيين الجنرال توماني كونيه قبل أسبوعين رئيسا لأركان الجيش البري قد يشير إلى تحرك في هذا الاتجاه، وذلك لأنه “يعرف الأوساط الجهادية، وقد حاول التفاوض معهم سابقا، وهو حاليا يعيد إطلاق المفاوضات معهم للحصول على هدنة على الأقل”.
وشدد التقرير على أن استمرار “إستراتيجية الخنق الاقتصادي” قد يتسبب في انهيار الدولة بمالي، مما سيكون له “عواقب كارثية” على المنطقة.
خنق اقتصادي وعواقب كارثية
وعاد تقرير آخر للمجلة نفسها، إلى خلفيات الوضع في مالي، وأشار إلى أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كثفت، منذ سبتمبر/أيلول الماضي، عملياتها ضد الطرق التي تربط باماكو بالموانئ الإيفوارية والسنغالية.
وقد بادرت السلطة الحاكمة منذ يونيو/حزيران الماضي بحظر بيع الوقود في عبوات في المناطق الريفية، وكان هدفها الحد من حركة الجماعات المسلحة، التي غالبا ما تتنقل على الدراجات النارية، عن طريق تجفيف مصادر إمداداتها.
وتبرر الجماعة خنقها العاصمة ومنع الوقود عنها بأنه رد على ذلك الإجراء.
ونقلت المجلة عن مصدر عسكري شرحه لحالة الحصار قائلا “ما يجب فهمه عندما نتحدث عن الحصار هو أنه لا يتعلق بحواجز دائمة عليها لافتات ممنوع المرور، فغالبا ما يكون هناك عشرات الرجال على دراجات نارية ينشرون الرعب على الطريق، ثم ينسحبون. في هذه الظروف، من الصعب مواجهتهم بفعالية، حتى بالطيران، فهم يختلطون بسرعة بين المدنيين.. نحن نواجه حالة من عدم التكافؤ”.
وتابعت المجلة أن عناصر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تنشط على الطريق الوطنية رقم 1، التي تربط مالي بالسنغال، وكذلك على الطريق الوطنية رقم 7 التي تؤدي إلى ميناء كوت ديفوار، بحيث يختبئ مقاتلو الجماعة في أطراف الغابات لشن هجمات مفاجئة على قوافل الوقود.
وبحسب المجلة، تعتمد مالي بشكل كلي على واردات المنتجات النفطية المكررة، وبغيابها “ستتأثر جميع قطاعات الاقتصاد المالي والجهات الفاعلة فيه بتداعيات نقص الوقود”، كما أكد ذلك لها الخبير الاقتصادي موديبو ماو ماكالو، الذي أضاف أن نقص الوقود، إذا استمر، سيؤدي إلى تضخم عام مع ارتفاع أسعار الكهرباء والنقل والمنتجات الغذائية، أما النشاط الصناعي فمن المحتمل أن يتباطأ.
وشددت على أن استمرار “إستراتيجية الخنق الاقتصادي” قد يتسبب في انهيار الدولة بمالي، مما سيكون له “عواقب كارثية” على المنطقة.
دعم روسي “غير فعال” وموقف أمريكي
وفيما يحظى المجلس العسكري الحاكم في مالي بدعم روسيا وبوجود قوات “الفيلق الإفريقي الروسي”، الذي خلف جماعة “فاغنر”، إلا أن هذا الدعم الروسي لم يغير الشيء الكثير على أرض الواقع. وقد لفت التقرير إلى إجراء كريستوفر لاندو مساعد وزير الخارجية الأمريكي مؤخرا محادثات مع وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب، تناولت التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة، في ظل تصاعد هجمات الجماعات المسلحة.
وعبّر لاندو، في منشور على منصة “إكس”، عن تقديره للقوات المسلحة المالية، مشيدا بجهودها في مواجهة الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ويُنظر إلى هذه التصريحات على أنها تحول علني في موقف واشنطن تجاه الحكومة العسكرية بعد سنوات من التوتر الدبلوماسي.
ووفق التقرير يرى مراقبون أن تصريحات لاندو تمثل إشارة إلى رغبة واشنطن في إعادة بناء جسور التعاون مع السلطات المالية.



