هام جدا.. حقيقة وتفاصيل وفاة عبد الله ولد الشيخ سيدي.

ثلاثاء, 04/11/2025 - 13:20

عرف عبد الله ولد الشيخ سيدي،  مطلع الألفينيات مرتبطا بالسيدة فاطمة منت عبد المالك، حيث كان يعيش في كنف أسرتها أكثر من عشرين سنة.

وكانت تعتبره ابنا من أبنائها، يعيش معهم في نفس المنزل، ويشاركهم تفاصيل الحياة اليومية.. و لم تكن العلاقة علاقة عمل فقط، بل مودة وثقة إنسانية عميقة.

لقد عرفه كل من حوله بالخلق الرفيع والوفاء والإخلاص، وظل ملازما لمنت عبد المالك في مسيرتها السياسية منذ بداياتها، مؤمنا بتوجهها ومخلصا لها في كل المحطات، دون أن يتراجع أو يبدل موقفه قيد أنملة.

وكانت فاطمة منت عبد المالك وراء توظيف عبد الله في وزارة الإسكان والعمران، حيث بدأ مسيرته الإدارية بتفانٍ واجتهاد.

وفي فترة تولي الوزير سيدي أحمد ولد أحمد حقيبة الوزارة، عين عبد الله مرافقا له، وأوكلت إليه مهمة تنظيم المواعيد واستقبال الزوار.

وحظي بثقة الوزير وزملائه، وكان يعرف بدقته، وانضباطه، وأسلوبه المهذب في التعامل مع الجميع.

وبحكم قربه من السيدة فاطمة منت عبد المالك، كان عبد الله يتولى الإشراف على تسيير بيع قطع أرضية مملوكة لها في حي تفرغ زينه، وهي قطع من منح مؤقتة من الدولة حصلت عليها خلال فترة الوزير والوالي محمد ولد أرزيزيم.

وكانت عمليات البيع تتم بطريقة قانونية واضحة، وموثقة رسميا، دون شبهة أو لبس في الإجراءات.

لكن الأمور تغيرت عندما تولى الوزير المختار ولد بوسيف حقيبة الإسكان، حيث أصدر مرسوما يقضي بإلغاء عدد من تراخيص المنح المؤقتة، وكان من بينها مخطط منت عبد المالك الذي كان عبد الله يتولى تسيير بيعه.. خيث قامت الوزارة بمصادرة الأراضي وهدم بعض المباني المقامة عليها.

عندها بدأ المشترون يطالبون عبد الله باسترجاع أموالهم، ظنا منهم أنه المسؤول المباشر، رغم أن دوره كان يقتصر على البيع القانوني، وأن التعويض يقع على الوزارة التي ألغت التراخيص.

ومع استمرار ضغط المطالبات والاتهامات، دخل عبد الله في حالة نفسية صعبة جدا، سرعان ما تطورت إلى جلطة دماغية حادة أدت إلى شلل نصفي في الجانب الأيمن من جسده.

نقل إلى مستشفى القلب بنواكشوط لتلقي العلاج، ثم رُفع إلى المملكة المغربية لمواصلة العلاج.

قضى هناك عدة أشهر، تلقى خلالها رعاية طبية مكثفة حتى تعافى وعاد إلى وطنه وقد استعاد قدرته على الحركة، وغابت عنه مظاهر الشلل.

ورغم تعافيه الجسدي، لاحظ المقربون منه – زوجته، أصدقاؤه، وأمه – أنه لم يعد كما كان.

لقد اصبح الرجل شارد الذهن، قليل الكلام، غير مبال بمظهره الخارجي، بعد أن كان أنيقا مهتما بتفاصيله.. وزاد من التدخين وأصبح قليل الأكل، وكثير التوتر.

وفي فترات لاحقة، بدأ يسر لمقربيه أنه يشعر بأنه ملاحق من بعض المشترين السابقين، وأنهم يهددونه بالسحر والتصفية .

وتطور الأمر حتى أصبح مقتنعا بأنهم يتعقبونه في الطرقات، مما اضطره ذات يوم للذهاب مع أحد أصدقائه إلى مركز الدرك الوطني لتقديم شكوى ضد من “يتعقبونه”.

وعندما سأله الضابط: “هل رأيتهم بأم عينك؟”

أجاب عبد الله: “لا، ولكني أشعر وأحس أنهم يلاحقونني”.

عندها أدركت عائلته أنه يعيش حالة من الهوس والاضطراب النفسي، فصاروا يراقبونه ويحاولون طمأنته باستمرار.

بغد ايام قرر عبد الله، بدافع من رغبته في الابتعاد عن التوتر، أن ينقل أسرته من حي تفرغ زينه إلى منزل صغير استأجره في حي عين الطلح.

ورغم انتقاله، ظل يزور منزله القديم بشكل شبه يومي، خصوصا في أوقات الراحة، ليشرب الشاي ويأخذ قسطا من النوم.

وفي تلك الفترة، بدأ يعتمد على أدوية مهدئة ومسكنات بشكل متكرر.

وفي صباح السبت 1 نوفمبر 2025، توجه عبد الله كعادته إلى منزله القديم في تفرغ زينه.. توقف بسيارته أمام المنزل، ونادى على الحارس الذي يعرفه منذ زمن طويل، وكلفه بشراء الشاي والسجائر، وأعطاه النقود، لكنه طلب منه على غير عادته أن يتركه وحيدا لأنه سيتولى إعداد الشاي بنفسه.

كان ذلك قرابة الساعة الحادية عشرة صباحًا..

ومع حلول الظهر، لم يخرج عبد الله لأداء صلاة الجماعة في المسجد القريب كما جرت عادته.. استغرب الحارس الأمر، لكنه ظن أنه نائم.

وعند الساعة الخامسة والنصف مساء، حاولت زوجته الاتصال به فلم يرد، ثم حاولت الدخول على كاميرات المراقبة المنزلية المرتبطة بهاتفها لكنها اكتشفت أنها معطّلة.

استقلت سيارة أجرة متجهة نحو المنزل القديم، وأثناء الطريق اتصلت بعدد من أصدقائه الذين بدورهم توجهوا إلى هناك.

عند الوصول، وجدوا الباب الخارجي مغلقا والمفتاح في الداخل.. طلبت الزوجة من الحارس تسلق الجدار والدخول عبر الممر الجانبي،فعل الحارس ذلك، وما إن دخل حتى أطلق صرخة مدوية:

 “عبد الله… مشنوق!”

دخل الأصدقاء والجيران فوجدوه معلقا وقد فارق الحياة، وبجانبه علب أدوية ومسكنات ومستلزمات الشاي.

بعد الإتصال بها حضرت الشرطة فورا، وتم استدعاء وكيل الجمهورية والطبيب الشرعي..

وبعد معاينة الجثة ومكان الحادث، أكدت التحقيقات الأولية أن الوفاة لم تكن نتيجة جريمة قتل، بل انتحار ناتج عن اضطراب نفسي حاد.

وبعد طلب من بعض أفراد العائلة  بتعليق الدفن واستكمال التحقيق وإعادة التشريح، تم السماح لهم بذلك رسميا، وأُجري الفحص الطبي الثاني الذي أكد نفس النتيجة:

 “لم يتعرض الفقيد لأي اعتداء خارجي، وكان بمفرده داخل المنزل حين أقدم على فعلته.”

كما أظهرت كاميرات المراقبة قبل تعطيلها من قبل عبد الله -الفيديو موجود عند الشرطة والنيابة-  تسجيلات تظهر دخوله  وحده إلى المنزل، ودخول الحارس رفقة ابنه الصغير عليه، ثم خروج الحارس وعودته بالسجائر والشاي وخروجه مرة أخرى قبل أن يغلق عبد الله الباب خلفه.

تغمده الله بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته،  وألهم ذويه ومحبيه جميل الصبر وأحسن السلوان.

-سيدي عثمان ولد صيكه