
يتحدث كثيرون اليوم عن قوة ونفوذ الوزير الأول المختار ولد إجاي داخل نظام الرئيس محمد ولد الغزواني، إلى درجة بات معها البعض يعتبره أقوى رجالات النظام
ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في خطاب المواطنين البسطاء حين يرددون:
“نطلب من الرئيس ومن الوزير الأول ولد إجاي كذا وكذا ، وكأن للبلد رأسين للسلطة، رئيسًا ونائبًا فعليًا
وقد تكرّر هذا المشهد عشرات المرات على منصات التواصل
غير أن ما يغيب عن كثيرين هو كيف أصبح ولد إجاي أقوى من جميع الوزراء الأولون الذين تعاقبوا على المنصب، من سيدي محمد ولد بوبكر إلى محمد ولد بلال
أول أسباب هذه القوة هو السيطرة شبه الكاملة على الإعلام، حيث بات ما يقارب 96% من الصحفيين والمدونين يدورون في فلكه: يمدحونه، ينسبون له الإنجازات، يصمتون عن تجاوزاته وشبهات فساده، ويشنّون حملات منظمة ضد خصومه ومنافسيه
كما ان هذا الاعلام لايدافع عن رئيس الجمهورية يدافع فقط عن ولد انجاي ومصالحه
ثانيًا، سخّر منصبه وعلاقاته الإدارية لتحقيق مكاسب سياسية عابرة للولايات، فكوّن أنصارًا في الحوضين، واترارزة، وآدرار، فضلًا عن كتلته التقليدية في لبراكنة، خصوصًا مقاطعة مقطع لحجار، التي خُصص لها في البرنامج الاستعجالي 10 مليارات أوقية، متجاوزة بذلك مقاطعات كبرى وأكثر كثافة سكانية
عمل ولد إجاي على مركزة السلطة داخل مكتبه، وسحب الصلاحيات من الوزراء عبر أساليب قبلوا بها خوفًا من الوشاية بهم لدى الرئيس
فعطّل عمليًا مبدأ المسؤولية الدستورية الذي يجعل الوزير الأول والوزراء مسؤولين أمام رئيس الجمهورية، وذلك بفرض رأيه عليهم عبر عشرات اللجان الوزارية التي تتدخل في أدق التفاصيل، حتى لم يعد للوزير اختصاص حقيقي يمارسه داخل قطاعه
لم يعد للوزراء قرار في اقتناء المستلزمات أو تسيير الموارد البشرية؛ فكل القرارات، كبيرة كانت أو صغيرة، تمر عبر هذه اللجان، حيث يحرص ولد إجاي على استحضار “تجاربه” في ما يسميه العهد الذهبي للتسيير، أي أيام العشرية، مقابل ما يصفه بخمسية الفساد في عهد إسماعيل ولد الشيخ سيديا ومحمد ولد بلال، وهو الخطاب الذي يروّجه إعلامه وأنصاره
كما أحكم سيطرته على وزارة المالية عمليًا، عبر شبكة من المديرين زرعهم في كل المفاصل، ولم يبقَ لدور الوزير المريض ( شفاه الله ) سوى التوقيع الشكلي عبر البريد الإلكتروني
الأخطر من ذلك أن حقبة ولد إجاي كرّست نمطًا استثنائيًا في تسيير الدولة، قائمًا على البرامج الاستعجالية، وهي آلية يُفترض أن تُستخدم في حالات الطوارئ كالكوارث والأوبئة والجفاف، لا كمنهج دائم للتنمية
بل تعدّى ذلك إلى إخضاعه عمليًا لهيئات تابعة أصلًا لرئاسة الجمهورية، مثل مندوبية تآزر، والمفتشية العامة للدولة، ووكالة ترقية الاستثمارات، فضلًا عن المنطقة الحرة
ورغم كل هذا النفوذ، لا يبدو ولد إجاي مطيعًا للرئيس بالقدر المطلوب، فيؤخر قراراته مثلما حدث في عملية ترسيم عمال الإعلام العمومي ، وعملية اكتتاب الشباب الاخيره ، فأخر الأولى ونسب الثانية لنفسه
أمام هذه المعطيات، بات السؤال مطروحًا حتى داخل صفوف الموالين قبل المعارضين:
هل انتخب الموريتانيون المختار ولد إجاي حتى يتحملوا كل هذا ؟
وكيف تحوّل منسّق للعمل الحكومي إلى مركز قرار فوق الوزراء، بل واقتطع لنفسه صلاحيات من مؤسسة الرئاسة
نفس المؤسسة التي يقود هو و أنصاره حملة من اجل الوصول اليها في انتخابات 2029
محمد الخافظ



