عيش .. إما متسول أو مجنون أو مسؤول فاسد

أحد, 08/06/2025 - 15:45

في واجهة الشارع المقابل للمسجد ، اول شيء يطل عليك وانت قادم لصلاة عيد الأضحى المبارك تلك الصورة  حيث تتعاظم المعاناة  وتتعمق المآسي، يظهر هذا المشهد أمامك  ليختصر حجم الألم الذي يعيشه أبناء هذا الوطن المنكوب  بفعل تدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية، ومعها يتوارى مسؤولون خلف التبريرات الجوفاء والمزايدات السياسية ويتفرغ آخرون لمشاريعهم الخاصة واستثماراتهم وتجاراتهم المشبوهة.

تلك  الصورة الصادمة تسلط الضوء على مشهد ثلاث نساء يجلسن على الأرض، يفترشن الأرصفة للتسول، فيما تظهر المسافة بين الواحدة والأخرى لا تتجاوز المترين في مشهد يروي حكاية بلد لم يعد فيه مكان إلا للفقر والجوع.

بين رصيف المغبر  وأبواب المسجد ، جلست ثلاث نساء محجبات، رؤوسهن مطأطئة ووجوههن مخفية خلف حجاب يخفي أكثر من مجرد ملامحهن، يخفي كرامة أُجبرت على الانحناء تحت وطأة الحاجة. هؤلاء النسوة اخترن التخفي والجلوس بصمت، متعففات في تسولهن، متشبثات بآخر خيوط الكبرياء، وهن يمددن أيديهن بخجل  بحثاً عن لقمة تسد جوع أطفالهن.

في الشارع ذاته وبالقرب من النساء الثلاث يظهر رجل يسير وسط الشارع عاري البدن، يبدو أنه أحد ضحايا الأزمات النفسية التي تفاقمت بسبب الفقر المدقع وانعدام أبسط مقومات الحياة، صورة هذا الرجل، الذي كان يوماً ما جزءاً من نسيج المجتمع الموريتاني السليم، أصبحت اليوم مرآة لواقع يتهاوى تحت ضربات التدهور الاقتصادي المستمر.

حين تدخل المسجد  تطل عليك تلك الصورة الحقيقية لواقع بلد باكمه وهي صورة المسافة البعيدة بين المسؤولين والمواطنين  والتي  تظهر حقيقة واقع بلد حتي في أداء فريضة من فرائض الله تظهر تلك المسافة البعيدة بوضوح ودون خجل وكانها رسالة موجهة الي المواطن في هذا البلد المنكوب انتم في واد ونحن الأسياد في واد

تعاني موريتانيا من أزمة اقتصادية خانقة تتمثل في  ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية الأساسية وانعدام القدرة الشرائية،

 الرواتب ضعيفة وفرص العمل باتت شبه معدومة، مما دفع العديد من الأسر إلى حافة الجوع، وفي هذا المشهد القاتم، كان التسول هو الخيار الوحيد الذي لجأت إليه العديد من النساء، وهن يحاولن الحفاظ على ما تبقى من كرامتهن بالاحتماء وراء الحجاب.

 وددت كثيرا أن لا انقل هذه الصورة الصادمة ولاكن حين تمر من أمام القصر الرمادي يتأكد لك بأن هناك حلقة مفقودة ما بين المواطن والمسؤول، فكمية الشكاوى من عدم استطاعة المواطن التواصل مع بعض المسؤولين في بعض الوزارات والمؤسسات لعرض مشكلته او مظلمته،كمية لا يستهان بها توحي بوجود إشكالية حقيقية لدى  المسؤولين في فهم دورهم الحقيقي

المسافة  بين  المواطن  الموريتاني المقلوب علي أمره من طرف و القيادات السياسية و الوزراء و النواب من الطرف الآخر كبيرة.

و الفجوة أصبحت أكبر

 أصبح المواطن الموريتاني في واد والوزراء والنواب في وادٍ آخر

 و الواضح للعيان إن وزراء النظام في موريتانيا لا يقرأون الأمور والأحداث والمشاكل والأزمات التي تعصف بالبلد من الشارع مباشرة بل يقرأونها من خلال ممن هم حولهم والتي بالغالب تكون رؤيتهم موجهة وغير حقيقية وتستند لبعض المقالات والتقارير التي تصدر عن جهات اعتادت توجيه الرأي وفقاً لمصالحها .

فأصبح الوزير أو النائب لا يأخذ بآراء الشارع ولا تهمه توجهات أهل الخبرة والاختصاص ، لأن هدفه.  الرئيسي أن يحقق مصالحه فقط وان كانت هذه المصالح والأهداف على حساب الوطن والمواطن ، فأصبح الأغنياء والقادة السياسيون والوزراء والنواب وحدهم من يمتلكون الأراضي والعقارات والبنوك والشركات والاستثمارات المهمة ويستولون عليها. وباقي الشعب الموريتاني لا يملك أي شيء مما زادت الفجوة اتساعا بين الشعب والمسؤول في البلد.

 طيلة فترة الحكومات المتعاقبة. وبالتالي ترك المواطن وحيدا يواجه ارتفاع الأسعار والمضاربات السوقية دون ناصر ولا نصير .

وبينما تزداد معاناة المواطنين، وتتسع تلك المسافة يعيش المسؤولون الحاكمين والمسيطرين على أرزاق العباد والبلاد..  في رفاهية مفرطة، مستمتعين بعائدات البلاد والكسب غير المشروع، عيونهم مغلقة عن معاناة الفقراء الذين يموتون جوعاً في الشوارع، وآذانهم صماء عن نداءات الأمهات الثكالى والآباء المحطمين.

هذا المشهد الذي يثير الحسرة والحزن والغضب في آن واحد، هو نداء ضمني للشعب ليقف وقفة حق في وجه الظلم.. إنها دعوة للتوحد والمطالبة بالعدالة الاجتماعية ورفض اي  نظام يعيش على معاناة الكادحين،  والثورة علي هذا الواقع المرير، ليس فقط حقاً، بل واجباً على كل من يؤمن بأن الحياة الكريمة هي حق للجميع، وليس امتيازاً لقلة.

في شوارع موريتانيا ، الجوع له وجه محجب، والفقر له صوت خافت، والكرامة تسكن وراء الحجاب، ومع ذلك، يبقى الأمل كبير  في أن يستيقظ الشعب  الموريتاني  يوماً ليعيد بناء وطن يتسع للجميع، حيث لن تكون الأرصفة ملجأً للأمهات، ولن تكون الشوارع مسرحاً لمآسٍ صامتة.

بقلم شيخنا سيد محمد