هل دول الساحل معرضة لأزمات مستعصية تهدد أمن واستقرار دولها بعد اغلاق الجزائر مجالها الجوي امام فرنسا؟

اثنين, 11/10/2021 - 08:07

تتجه الأنظار نحو دول الساحل الصحراوي بعد إغلاق الجزائر المجال الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية المتوجهة نحو مالي والنيجر، حيث من المتوقع أن تتحول المنطقة إلى ساحة "صراع" بين عدة قوى إقليمية ودولية، بشكل يفسح المجال لتصاعد النشاط الإرهابي.

موقف صعب

وفي وقت تراجع فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن سحب قوات بلاده من منطقة الساحل، وإعلانه عن تغييرات تكتيكية في أسلوب التدخل العسكري الفرنسي تماشياً مع طبيعة التهديدات الأمنية في دول المنطقة، جاء قرار الجزائر حظر عبور الطائرات العسكرية الفرنسية مجالها الجوي ليضع "تبرير" الحضور الفرنسي في الساحل أمام مفترق الطرق بشكل يعيد ترتيب أوراق الوجود الأجنبي الذي قد يهمل مهمة محاربة الإرهاب وبسط الأمن والاستقرار، ما يهدد المنطقة بالفوضى.

وتعيش فرنسا موقفاً صعباً في منطقة الساحل والصحراء بعد مرور أكثر من 8 أعوام على تدخلها العسكري في مالي في يناير (كانون الثاني) 2013، وهي التي اتخذت من المجال الجوي الجزائري منطقة عبور لطائراتها الحربية، إذ تواجه تحديات فشلها في محاربة التنظيمات الإرهابية وسط سياق إقليمي سياسي وأمني على درجة كبيرة من التعقيد، أمام تغيرات شهدتها دول المنطقة مثل تشاد ومالي، ومزاحمة بعض القوى الدولية مثل روسيا والصين وتركيا.

وفي ظل ما سبق، وأمام تأزم الوضع بين أهم بلدين على علاقة بدول الساحل الصحراوي، وهما الجزائر وفرنسا، فإن المنطقة باتت معرضة لأزمات مستعصية تهدد بزعزعة أمن واستقرار دولها، بخاصة أمام احتمال انتقال نحو 30 ألف مقاتل من ليبيا في حال التوصل إلى اتفاق المصالحة الليبية الذي يفضي تلقائياً إلى  خروج المرتزقة والمقاتلين، بالإضافة إلى نشاط الجريمة المنظمة العابرة للحدود التي تعتبر منطقة الساحل ممراً مهماً لها.

ساحة تصارع القوى العظمى

وفي السياق، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية، المهتم بالشؤون الأفريقية، مبروك كاهي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن منطقة الساحل باتت مثلها مثل الشرق الأوسط، ساحة لتصارع القوى العظمى وترتيب مراكز النفوذ، بعد أن كانت حكراً على النفوذ الفرنسي لسنوات طويلة، وقال إنه يلاحظ التغلغل الروسي القوي عبر شركة "فاغنر" التي سوف تمهد الطريق لدخول القوات الروسية، مشدداً أن استمرار حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل، هو إخفاق فرنسي، فمالي وتشاد تعيشان مرحلة انتقالية، والنيجر تشهد انتقالاً صعباً للسلطة كاد ينزلق، بينما تراوح موريتانيا مكانها.

وأوضح أن قرار فرنسا بات مرتبكاً، بدليل أن ماكرون أعلن انسحاب قوات بلاده من الساحل وتشكيل قوة جديدة، ثم تراجع وكشف عن إعادة انتشار، ثم تهديد بالانسحاب مرة أخرى في حال التعاقد مع شركة "فاغنر" الروسية، وإرسال وزيرة الجيوش لإقناع باماكو بالعدول عن قرارها، وحالة عداء مع الجزائر كلفها غلق المجال الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية.

ويتابع كاهي، أن فرنسا في سباق مع الوقت لتدارك الأمر في الساحل، وقال إن قرار الجزائر سيكلف فرنسا غالياً، حيث لن يكون هناك أي تعاون مستقبلي، لا سيما في المجال الأمني، وكشف عن توقيف الجزائر توريد الوقود و"الكيروزان" للقوات الفرنسية في الساحل، في حين لا توجد دولة في المنطقة يمكنها تلبية هذه الحاجات، مبرزاً بخصوص مستقبل المنطقة، أن الأمر مرتبط بمدى إدراك النخب لخيوط اللعبة وجعلها في صالحها.

 

وأشار إلى أن باماكو حصلت على 4 مروحيات قتالية هجومية من روسيا في ظرف قياسي، ووصفت روسيا بالشريك الموثوق، موضحاً أن الحليف الروسي سيمكن مالي من الحصول على أسلحة قوية تساعدها في ضبط أمنها ومراقبة حدودها، وهو ما لم يكن متاحاً مع الجانب الفرنسي، والجزائر من مصلحتها أن تكون مالي قوية ومتحكمة في حدودها، وهو ما قد يتحقق مع الروس، حيث تتولى "فاغنر" حماية السلطة في باماكو مما يصعب الإطاحة بها، بينما تتجه القوات المالية لمحاربة الجماعات الإرهابية. وتوقع أن الوضع في الساحل سوف يتجه نحو الاستقرار، وتكوين أنظمة قوية، ومن ثم مباشرة عمليات التنمية المحلية. وختم بأن الجزائر تعمل على تفكيك الألغام الموجودة في المنطقة بالتنسيق مع روسيا وأميركا والصين واستبعاد فرنسا.

خسائر في الأرواح والمواقع

تحولت منطقة الساحل إلى ساحة مفتوحة لمواجهة مباشرة بين القوات الفرنسية وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وتنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى وولاية "داعش" في غرب أفريقيا، وجماعة "بوكو حرام"، تسببت في ارتفاع عدد الضحايا ونزوح أكثر من مليون شخص لمناطق أخرى، وفقاً لمنظمة الصليب الأحمر الدولية.

وخلال النصف الأول من عام 2020 لقي أكثر من 4660 شخصاً حتفه، بحسب بيانات موقع النزاع المسلح ومشروع بيانات الأحداث، كما تزايد عدد الهجمات الإرهابية التي شهدتها دول المنطقة خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، إذ ارتفع من 90 عملية في عام 2016 إلى 194 عملية في عام 2017، وتضاعف إلى 465 عملية إرهابية في عام 2018، بينما وصل عدد القتلى جراء الهجمات الإرهابية خلال عام 2019 إلى 4000 قتيل.

وإذا كانت الإحصائيات تشير إلى أن الوضع لا يزال يشكل خطراً على سكان دول الساحل كما الأنظمة، بسبب الإرهاب، كما تؤكد الوقائع تحرك نشيط لقوى دولية من أجل التموقع، فكيف الحال مع الانسحاب الفرنسي أو تخفيض القوات؟

تداعيات

التراجع الفرنسي في منطقة الساحل له تداعيات على مستويات مختلفة، وأهمها  خسارة باريس مساحة كانت تعزز من نفوذها الدولي، لصالح بعض القوى الدولية والإقليمية نحو الانخراط في المنطقة لملء الفراغ الاستراتيجي، وكسب المزيد من النفوذ والهيمنة والسيطرة على الموارد والثروات.

كما ستؤدي الخطوة الفرنسية إلى تزايد التهديدات الأمنية تجاه دول الساحل وجيرانها وأوروبا، لا سيما العمليات الإرهابية وموجات الهجرة غير الشرعية واللاجئين، أمام انتشار التنظيمات الإرهابية في المنطقة وسيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي.

زيادة تكلفة التدخلات

إلى ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبدالوهاب حفيان، أن الغلق يضع فرنسا أمام تفاقم وضعية خاصة فيما تعلق بزيادة تكلفة التدخلات والطلعات اللوجيستية في دول الساحل، بالإضافة إلى إبطاء عمليات التدخل الحاسم في المنطقة وخطوط الإمدادات نحو القواعد، لا سيما في دولة تشاد، مضيفاً أن الارتفاع في التكاليف يجعل الوضع الداخلي يطرح عدة تساؤلات حول نجاعة عمليات التدخل في الساحل، ما يفسح المجال أمام حضور روسيا ممثلة في "فاغنر".

محدودية القرار

وكان الناطق باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية الكولونيل باسكال إياني، أكد محدودية تأثير القرار الجزائري على تدفق الدعم الفرنسي لمواجهة الجماعات المتشددة في مالي، واعتبر أنه سيتعين على الطائرات العسكرية الفرنسية أن تعدل مخططات تحليقها، مؤكداً أن ذلك "لن يؤثر على العمليات أو المهام الاستخباراتية" التي تقوم بها فرنسا في منطقة الساحل، كما شدد على أن الطلعات الفرنسية الاستطلاعية في منطقة الساحل، والتي عادة ما تنفذ بواسطة طائرات مسيّرة لن تتأثر، بما أن هذه الطائرات تنطلق من نيامي في النيجر ولا تحلّق في أجواء الجزائر

اندبدند.....الاعلامي